المتابع للتصريحات الإيرانية التي تفوق في عددها اليومي تصريحات مختلف دول العالم، يلاحظ أنها تصدر من أكثر من مركز من مراكز القوى الإيرانية ما يوحي بأن تكوينة دول الملالي هي في الأساس مجموعة مراكز قوى تشبه مجموعة دول في دولة واحدة.
القاسم المشترك بين مختلف التصريحات الإيرانية المتناغمة حيناً، والمتناقضة أحياناً كثيرة، هو اللهجة العدائية التي تمكّن متابعها من أن يلاحظ بكل سهولة ويسر مدى التّوجس والخوف المتخفّي وراءها، فإيران التي تحاول التمدد بنهم في مختلف دول المنطقة، تتخوف من عدو تتوهم أنه يتربصها دائماً وأبداً، وهو ما جعلها تنفق ثروات ضخمة على التسليح حتى ولو على حساب تجويع الشعب وفقر البنى التحتية للدولة.
الوهم الأكبر نلمسه في الداخل الإيراني، فتعدد مراكز القوى في الداخل يدلل على عدم ثقة الإيرانيين حتى في بعضهم البعض، والمناوشات المختلفة التي تقوم دائماً بين تلك المراكز تعكس ذلك التوجس الغريب الذي وصل درجة الهوس.
دول الجوار هي العدو الوهمي الأول الذي تتوجسه إيران، وكل سلاح تشتريه دولة من دول الخليج تتوهم إيران أن تلك الدولة اشترته لمواجهتها، وهو ما يعكس سرّ الروح العدائية التي اتبعتها مع الدول العربية، فكما استوطنت العقلية الأميركية عقدة فيتنام، والعقلية الروسية عقدة أفغانستان، فإن عقدة العرب استوطنت العقلية الإيرانية منذ أن أطفأ العرب المسلمون نار كسرى في التاريخ الإسلامي القديم، والتاريخ التالي لذلك بما فيه التاريخ الحديث حمل العديد من الحروبات الجزئية بين الإيرانيين والعرب بفضل هذه العقدة الإيرانية العدائية.
جيران إيران تأذّوا كثيراً من هذه العقدة التوجسية، فعلاقة إيران بالسعودية ولسنوات طويلة ظلّت تراوح مكانها، ودولة الإمارات العربية المتحدة التي وقفت إيران ضدّ محاولات اتحادها في مطلع سبعينات القرن الماضي بكل ما أوتيت من قوة، لازالت مشكلة جزرها الثلاث التي احتلتها طهران موضع نزاع، والكويت عانت من التدخل والتجسس الإيراني حتى عهد قريب، والبحرين اضطرت أخيراً لطرد السفير الإيراني وسحب سفيرها من طهران، وهكذا نجد دولة الملالي في صراع دائم مع جيرانها بفضل الهوس والخوف اللذين يسكنان العقلية الإيرانية، فمجلس التعاون الخليجي اعتبرته إيران منذ تكوينه عدواً أول، وتوجست من ما توهمت أنه مخططات سرية منه للانقضاض عليها، فسعت بكل طاقتها لإفشال تحركاته دون جدوى، وظلت لعقود ترسل إشارات سالبة عنه، وتحاول شق صف دوله قدر استطاعتها، والجامعة العربية عندما كانت في أوج قوتها، كانت تخيف الدولة الإيرانية التي بدأت في ذلك الوقت تحاول زرع بذور الفتنة والشتات بين أعضائها.
التوجس الإيراني لم يقف عند دول الجوار، ولكنه عبر إلى مختلف دول العالم، فانهالت على التسليح دون توقف، وظلت تكيل للقريب والبعيد تهم استهدافها، وكل سلاح يصنعه العالم تتوهم أن صناعته تمت خصيصاً لمواجهتها به، لذلك نراها على الدوام تحاول تطمين نفسها عبر التباهي بقوتها، وعبر استعراضها في كل مرة من المرات قطع أسلحة تقول أنها من صناعتها الخالصة أو من تطوير علمائها العسكريين، وتكاد تكون من أكثر دول المنطقة إجراء للمناورات العسكرية التي تحاول أن تهدئ من خلالها ذلك الروع الذي استوطن عقليتها السياسية.
ومن تصريحات وزير دفاعها بأن السلاح الإيراني قادر على إصابة أهدافه أينما كانت، إلى تصريحات مسؤولي البحرية بأن سلاح البحرية الإيراني يفوق مختلف أسلحة العالم في قدراته التدميرية، تكتمل الصورة.
آخر ذلك الهوس الواهم تمثّل فيما نقلته صحيفة "آفرينش" من تصريحات لمساعد قائد الحرس الثوري "حسين سلامي" والتي أكد فيها أن إيران ستستخدم كل قوتها وقدراتها في حال وقوع حرب أخرى من أجل الدفاع عن جميع مقومات ومكونات الأمة الإيرانية، وهو تصريح تزامن مع ما نقلته صحيفة "رسالت" عن إعلان قائد القوات البحرية الإيرانية حبيب الله سياري عن تواجد للقوات البحرية الإيرانية في المستقبل القريب في جنوب المحيط الهندي، وسبق ذلك آية الله خامنئي باتهام أميركا والغرب بقيادة حرب ناعمة ضد الشعب الإيراني.
إيران إذاً تدّعي القوة لتواري ضعفها وخوفها الحقيقي من وهم استقصادي لا تدري من أين يأتيها، وبذلك الوهم فهي تحاول الوصول لكل مواقع العالم وزراعة بؤر تتوهم فيها حمايتها عند الحاجة.
مركز المزماة للدراسات والبحوث